الخطاب الإعلامي الفلسطيني ... وكيفية إصلاحه
الخطاب الإعلامي الفلسطيني ... وكيفية إصلاحه
مقدمة إلى
منتدى الإعلاميين الفلسطيني
ضمن مشروع
دور الإعلام في التصدي لظاهرة التعصب الحزبي
وورشة العمل بعنوان
لغة الخطاب الإعلامي في فلسطين .. ماذا نريد وكيف نحقق ما نريد ؟
إعداد الدكتور
زهير عابد
15/7/2008
الخطاب الإعلامي الفلسطيني ... وكيفية إصلاحه
المتتبع للإعلام الفلسطيني على مدى عدة عقود من الزمن يستطيع أن يقرأه أن الساحة الفلسطينية ، كانت في فترة السبعينات والثمنينات تنهل إعلامياً وبكل وسائلها الإعلامية من معين واحد ، رغم ما شابه تلك الفترة من فساد التفرد ، والنظرة الأحادية ، التي كانت سائدة في ذلك الوقت ، ما عدا فئة قليلة حاولت الفكاك من المركزية الشديدة للإعلام الواحد، وإن كانت أيضاً عندها نفس التوجه إلى الأحادية ، ومن منظور الحزبي الضيق ، ومن التنظير لفكر واحد أيضاً، فكانت الوسيلة القديمة الجديدة ، مجلة لكل حزب ، فبدأت أنوية الحالة الإعلامية الفئوية، والإقصائية ،فصبغت الفئوية مبكراً ، مع تعددية الحركات، والأحزاب، ومجموعات الثورة الفلسطينية ،ً كلوحات خاصة توضع في مقدمة البرامج، والنشرات، والإصدارات، للتميز، والتمييز، ولكن، ثبت لاحقاً، أن مدلولها الحقيقي هي الفئوية في الغالب ، حتى في السجون ،وغالباً علي كل الوسائل الإعلامية ، وتواكب ذلك مع أرضية جاهزة للاختلاف، وأحياناً النكاية، وتكبير الكوم، دون إدراك للمسؤولية الوطنية التي تقع على عاتقها ، وما رسخته من تشوهات للمسيرة الإعلامية. كذلك كانت الإذاعات البسيطة الممولة، أو المسموح بها، من بعض الأنظمة، التي ترضى عن الفصيل هذا أو تلك ، أو التي تتبعها هذه المجموعة بشرط عدم الخروج عن توجهاتها وسياستها ، وأحيانا تستخدم هذه الوسائل في الهجوم على بعضها البعض ، حسب تعليمات الأجهزة الأمنية للدولة المضيفة.
فكان من قدموا، ووظفوا، للإعلام، أناس فئويين أولاً، وغير مؤهلين ثانياً، لمهمات الإعلام المطلوب بشكل حقيقي، حتى، إن بعض الصحفيين، أو الذين عملوا في الصحافة الفلسطينية، كان منهم من يخطئ في النحو، والإملاء وحتى مفهوم الكلمة التي يكتبونها، لأنهم في الأصل، ليسوا هم خريجي كليات الصحافة، والإعلام، كانت الرسالة الإعلامية الفلسطينية معقولة، وتحمل توجها غير متناقض علي الأقل.
واستمرت الحالة بهذا الشكل إلى أن جاءت السلطة إلى غزة والضفة ، بما تحمله من عبئ هذه الفترة ، دون أن تعطي مساحة واسعة لحرية ا لرأي والتعبير وتعدد ه ، واستمر الفصيل الواحد هو المسيطر على المشهد ، فأصبح لدينا صحف كثيرة، وإذاعات مريرة، ، من كل ما هب، ودب، باسم الإعلام، وتواصلت الفضائيات، والأرضيات، والنشرات، والمكاتب الصحفية، والمطابع، ودور النشر، ومعاهد الأبحاث، والدراسات، وحتى الكليات، التي تحمل جميعها يافطة الإعلام في بلادنا، وأخيراً الصفحات الالكترونية المجيدة التي تنضح بالفرقة والتجزيء الذي يهدد مستقبل القضية برمتها.
إلا أن المشهد تغير في الخطاب الإعلامي الفلسطيني ، بكثير من التعصب الفصائلي(الحزبي ) على حساب التوجه الوطني والقومي ، فشهد الخطاب الإعلامي الفلسطيني تغييرات في مضمونه وأولوياته ،خاصة قبل الانتخابات الثانية (يناير 2006)،و بعد تسلم حركة حماس السلطة ، فكان خطاباً تحريضياً بعيداً عن الوطنية ، وهمه الانشغال بالقضايا الحركية المحضة ، مما ساهم في تعزيز انقسام الشعب الفلسطيني ، ويعمل هذا الإعلام على توظيف الأحداث ، ويعتمد الإعلام فيه على الانتقائية في العمل الإعلامي ، ويتبع أسلوب التقديم الناقص للأحداث ؛ لخدمة طرف سياسي على حساب آخر ، والمتصفح للإعلام الفلسطيني سواءً كان صحفاً أو مجلات أو مواقع إخبارية على الشبكة العنكبوتية ، و الإذاعات ، والفضائيات ، ويندهش المستمع والمشاهد من حجم ما يحتويه مضمون الرسالة الإعلامية من التشهير ، والقذف ، والتخوين ، والاتهامات التي يُكيلها كل طرف للطرف الآخر .
والملاحظ أن معظم القائمين على الإعلام – إنما هي شخصيات تدعي الوطنية ، أو غير وطنية ، عدا عن أن أطراف خارجية لعبت دوراً مهماً في توجيه هذا الخطاب نحو الحزبية وتكريس العنصرية ؛ أو أنها تخدم أجندات خاصة ، وهي شخصيات لا تحرص إلا على مصالحها ، فهي فئة تتقن فن الشتم ، والسب ، والتحريض. وأتساءل هنا ، هل هذا إعلام يحمل قضية شعب يعاني الاحتلال ويستجدي لقمة العيش من الأعداء ؟ بينما الشغل الشاغل هو شن الحروب الإعلامية المضللة على بعضهم البعض ؛ والبحث عن الألفاظ التي تحقر خصومهم وتسفه أحلامهم ، حيث غابت نهائيا القضية الوطنية الفلسطينية ، ولم تعد تطرح قضايا الصراع كالقدس ، والدولة المستقلة ، وحق عودة اللاجئين والحدود ، والاستيطان ، إلا لحفظ ماء الوجه ، وابتعاد الإعلام الفلسطيني عن الهم الوطني وقضايا الناس اليومية ؛ مما أسس لمرحلة الانفصال بين الضفة وغزة ، وزاد من حالة التشرذم والحقد والضغينة والكره لدى أبناء الشعب الواحد ، وأبناء العائلة الواحدة.
فلا هم للأطراف إلا تصعيد من اللهجات الإعلامية تجاه بعضهم البعض ، فابتعد عن الموضوعية ، والصدق ، والأمانة الإعلامية في نقل المعلومات ، والأهم أن الإعلام ابتعد عن الخطاب الوحدوي الوطني ،واهتم بالخطاب الفئوي الحزبي الضيق الأفق ، فكان لهما أكبر الأثر في تأجيج مشاعر الناس ، وتعميق الكره بين أبناء الشعب الواحد، فغدا الإعلام الذي يمجد صاحبه ، والإعلام الفئوي مدمر للمجتمع وقيمه، الذي يهدد الأمن القومي والوطني.
إن الخلافات السياسية الفلسطينية انعكست على أداء العديد من المؤسسات الإعلامية ، كما أنها تتحكم في الكلمات والصور التي تنشرها وسائل الإعلام ، وأفرزت أوضاعاً غير مقبولة ، وسجلت عدداً من الانتهاكات ، مثل الاعتداء على الصحفيين في أكثر من حادثة و موقع ، وتشويه صورة الشعب الفلسطيني أمام العالم ، ولجوئها إلي لغة التحريض وزرع الأحقاد والكراهية وتنمية التعصب ورفض الآخر ، والتلاعب بالألفاظ و المصطلحات المستخدمة لتوصيف الأحداث خدمة لأهداف خاصة مع العمل على تضخيم بعض الأحداث تحقيقا للإثارة الموتورة و تزييف الحقائق و محاولة تزييف وعي الجماهير ، و استنزاف الجهود في الرد و الرد المضاد ، و العمل على توتير الأجواء ، و تسميمها ، ومصادرة الحريات و الآراء ، مع الاعتداء على حق المواطنين في الحصول على المعلومات الصادقة حول مجريات الأحداث ،والتضحية بالموضوعية ، و المصداقية ، و الحيادية لحساب الفئوية و الحزبية ، مما عمق الخلاف بين أبناء الشعب الفلسطيني ، و زاد من إثارة النعرات العشائرية و الحزبية ، بالرغم من أن الإعلام يعتبر مرآة حقيقية للمجتمع والبيئة التي يصدر عنها وفيها ، ينقل هموم الناس وآمالهم ويعالجها؛ فهي أزمة أخلاقية , بالإضافة إلي القصور في الخبرة المهنية والمعرفية لدي الإعلاميين .
فالحزبية الضيقة و الفئوية في العمل الإعلامي الفلسطيني كشرت عن أنيابها ، و استطاعت أن تقحم نفسها في المهنة الإعلامية ، وأن كثيراً من الصحفيين بإرادتهم أو رغماً عنهم ووجدوا أنفسهم فيها، وأن بعضهم أصبح جزءاً رئيساً من صناعة الأزمة القائمة مما ألقى بتداعياته السلبية على الشارع الفلسطيني .
وبسط أرضية خصبة لتشويه المسيرة، استغلتها القوة الصاعدة المناوئة للتيار الوطني "حماس"، للتحريض ضد مركز التيار الوطني، واستجلاب المناصرين لصالحها. وما كان يجري في تلفزيون فلسطين، وإذاعاتها الوطنية غير الإسلامية، كان فاقعاً بالروح الانشطارية والشللية، وعلي خلفيات المغانم المالية ، وتكبير النفوذ، لنفوذ أكبر، وكأن القضية انتهت، والقادم هو حيازة المراكز.
والجميع يعرف قصص الرايات، والأعلام، هي أيضا جزء من الإعلام، وقد تغيرت، وتعددت، إلي أن غاب الموحد للشعب الفلسطيني، وهو علم فلسطين المعروف والموحد للجميع.
وكانت الوحدة الوطنية التي طالما تغني بها المناضلون، والمجاهدون، ولا زالوا، هي ذر للرماد في العيون، إن كانت عمدا، أو جهلاً بالشعار المرفوع، أو اندفاعاً بالواقع، ولذلك، ولعوامل أخري، كانت تلك الوحدة المسماة وطنياً، أصلا مهددة بالانهيار في أحسن حالاتها، لطبيعة التكوين، والتعبئة، والتطور في المسيرة كما ذكرنا.
الشعارات كانت متضاربة، والأوامر متضاربة، وأحياناً نكاية بالآخر من التنظيمات، وليس نكاية في اليهود ،فأصبح الإعلام الفلسطيني، فضيحة كبري، ضاعت معها ملامح كل لبنة بنيت في إعلامنا الهزيل أصلاً، حيث دخلنا في قصص، وبلاغات وإصدارات، ونشرات، وإذاعات،، تنفث السموم القاتلة، ويحرض علي القتل، وألفاظ نابية، غيروا معها ألفاظ الأطفال، والشباب، بطريقة لم يسبق لها مثيل من العنف المتوالد في الشارع الفلسطيني نحو الذات.
فالإعلام السلبي يهدد الأمن القومي، وما يحدث في الإعلام الفلسطيني مخيف، وان ما تبثه هذه الفضائيات، من ثقافة استئصاليه إقصائية، وأحيانا تخريبية ، هو فاسد، ويرسخ لثقافة العدوان، والتخوين، والتخويف، وحب الانتقام، والتمزيق المجتمعي، والعائلي، والشخصي لدى أولادنا، وبناتنا، ويضع كل بيت في مشكلة حقيقية.. ولذلك نرفض إفساد عقول أبنائنا وبناتنا.
من المعروف، أن الإعلام هو من أقوى الأسلحة غير الحربية، ذات التأثير الشامل الكبير، والذي أتقن اليهود استغلاله، الاستغلال الحسن، نظراً لفرقتنا، وإعلامنا الهزيل، الموجه لتدمير الذات، والمطلع على بروتوكولات صهيون، يتوصل إلى تلك الحقيقة، ويظهر له جلياً اهتمام بني صهيون بالإعلام، وتركيزهم الشديد على السيطرة عليه، فبينما هم يفعلون العجائب، والفظائع، وينفذون ما يخططون له من مجازر، ومذابح، تجد إعلامنا يبث الفرقة، والفئوية، ويدعو للعنف، والتدمير الذاتي، فهل يعرف المسئولون عن الإعلام ماذا يفعلون؟ وهل لديهم مقاييس، ودراسات تبحث عن
ولكن إذا ما تساءلنا كيف يمكن إعادة إنتاج خطاب إعلامي غير فئوي وغير تحريضي :
• أن يشارك المواطنين آراءهم ودعوته لهم بضرورة ممارسة الرأي والرأي الآخر والنقد البناء.. "ما دام هاجسهم هو خدمة الوطن والمواطنين والبحث عن الحقيقة". إذا مارغبنا في النهوض بالصحافة والارتقاء بالإعلام في هذه الظروف الراهنة للتعامل مع الحراك السياسي الذي تشهده المنطقة.
• توظيف العلوم والمعارف والتكنولوجيا الإعلامية الحديثة لخدمة المجتمع، وإعداد الخريجين القادرين على ممارسة العمل الإعلامي فعلاً ، وعزل الدخلاء على الإعلام والصحافة .
• تعزيز قيم وأخلاقيات المهنة وخدمة المجتمع، التزاما بالمهنية عالية المستوى ، والمصداقية في الممارسة الإعلامية والإيمان بحرية الرأي والتفكير النقدي البناء لمستقبل فلسطين الواعد والانفتاح على الثقافات الأخرى واحترامها.
• ندعو ومن موقع الإصلاح إلى تجاوز العدائية والتحريض على الآخر من خلال استخدام لغة المنطق والصدق والشفافية الحقة غير المملاة من أحد إلا من ضمير وعقل كتابها.
• تشكيل لجنة فلسطينية تقوم بصياغة ميثاق شرف يحمي الصحافة والصحفي ويعمل على منع التحريض في وسائل الإعلام المحلية على أن تضم نشطاء حقوقيين و إعلاميين محايدين و نقابين و أكاديميين لتبدأ عملها الجدي بمراقبة أداء وسائل الإعلام بقصد وقف موجة التحريض و تقويم الأداء. ووقف حالة الانفلات الإعلامي التي تعد أخطر من حالة الانفلات الأمني التي كانت سائدة.
• التأكيد على حيادية الصحفيين عن التجاذبات السياسية و الخلافات القائمة حتى يكونوا بالفعل أدوات فاعلة لضمان احترام حقوق الإنسان بدلاً من أن يكونوا أداة للتوتير و إذكاء الفتن و الخلافات
• التزام الصحفي الفلسطيني بالصدق والأمانة والموضوعية في نقل الحدث والمعلومة من جهة والتوقف الفوري عن التحريض والتشهير ، ومطالبة الصحفيين المحافظة على مهنيتهم في نقل الحدث وعدم ترك آرائهم الشخصية تعكس نفسها على الخبر.
• ضرورة العودة إلى الخطاب الإعلامي ذات البعد الوطني ، وتوجيه الجماهير وفئات الشعب المختلفة تجاه العدو الإسرائيلي ،وكشف مؤامراته وتمجيد شهدائنا وأسرانا وتاريخنا ، وبث ثقافة التسامح والمحبة والعفو .
• إضافة إلى إمكانية إنتاج خطاب إعلامي غير فئوي وغير تحريضي يعمل على مسح ما خزنته ذاكرة الإنسان الفلسطيني من حقد وكراهية .
• منح حرية الكلمة وحرية التعبير هامشا أكبر وعدم تكميم الأفواه ، ومحاسبة الإعلاميين والصحفيين الذين يحاولون تأجيج المشاعر من جديد .
• العمل على مقاطعة الساسة والناطقين الإعلاميين الذين يوترون الأجواء بالقذف والتشهير وغرس الحقد بين أبناء شعبنا، وضرورة الاستماع إلى الأصوات الأكثر عقلانية على الساحة الفلسطينية .
تعليقات
إرسال تعليق