الخطاب الإعلامي الفلسطيني ... وكيفية إصلاحه
الخطاب الإعلامي الفلسطيني ... وكيفية إصلاحه
بقلم الدكتور / زهير عابد
المتتبع للخطاب الإعلامي الفلسطيني يشاهد كثير من التعصب الفصائلي ( الحزبي ) على حساب التوجه الوطني والقومي ، فشهد الخطاب الإعلامي الفلسطيني تغييرات في مضمونه وأولوياته ،خاصة قبل الانتخابات الثانية (يناير 2006)،و بعد تسلم حركة حماس السلطة ، فكان خطاباً تحريضياً بعيداً عن الوطنية ، وهمه الانشغال بالقضايا الحركية المحضة ، مما ساهم في تعزيز انقسام الشعب الفلسطيني ، ويعمل هذا الإعلام على توظيف الأحداث ، ويعتمد الإعلام فيه على الانتقائية في العمل الإعلامي ، ويتبع أسلوب التقديم الناقص للأحداث ؛ لخدمة طرف سياسي على حساب آخر ، والمتصفح للإعلام الفلسطيني يندهش من حجم ما يحتويه مضمون الرسالة الإعلامية من التشهير ، والقذف ، والتخوين ، والاتهامات التي يُكيلها كل طرف للطرف الآخر .
والملاحظ أن بعض من القائمين على الإعلام – إنما هي شخصيات تدعي الوطنية ، أو غير وطنية ، عدا عن أن أطراف خارجية لعبت دوراً مهماً في توجيه هذا الخطاب نحو الحزبية وتكريس العنصرية ؛ أو أنها تخدم أجندات خاصة ، وهي شخصيات لا تحرص إلا على مصالحها ، حيث غابت نهائيا القضية الوطنية الفلسطينية ، ولم تعد تطرح قضايا الصراع كالقدس ، والدولة المستقلة ، وحق عودة اللاجئين والحدود ، والاستيطان ، إلا لحفظ ماء الوجه ، وابتعاد الإعلام الفلسطيني عن الهم الوطني وقضايا الناس اليومية ؛ مما أسس لمرحلة الانفصال بين الضفة وغزة ، وزاد من حالة التشرذم والحقد والضغينة والكره لدى أبناء الشعب الواحد ، وأبناء العائلة الواحدة.
فالحزبية الضيقة و الفئوية في العمل الإعلامي الفلسطيني كشرت عن أنيابها ، و استطاعت أن تقحم نفسها في المهنة الإعلامية ، وأن كثيراً من الصحفيين بإرادتهم أو رغماً عنهم ووجدوا أنفسهم فيها، وأن بعضهم أصبح جزءاً رئيساً من صناعة الأزمة القائمة مما ألقى بتداعياته السلبية على الشارع الفلسطيني .
وكانت الوحدة الوطنية التي طالما تغني بها المناضلون، والمجاهدون، ولا زالوا، هي ذر للرماد في العيون، إن كانت عمدا، أو جهلاً بالشعار المرفوع، أو اندفاعاً بالواقع، ولذلك، ولعوامل أخري، كانت تلك الوحدة المسماة وطنياً، أصلا مهددة بالانهيار في أحسن حالاتها، لطبيعة التكوين، والتعبئة، والتطور في المسيرة كما ذكرنا.
ضاعت معها ملامح كل لبنة بنيت في إعلامنا الهزيل أصلاً، حيث دخلنا في قصص، وبلاغات وإصدارات، ونشرات، وإذاعات،، تنفث السموم القاتلة، ويحرض علي القتل، وألفاظ نابية، غيروا معها ألفاظ الأطفال، والشباب، بطريقة لم يسبق لها مثيل من العنف المتوالد في الشارع الفلسطيني نحو الذات. فالإعلام السلبي يهدد الأمن القومي، وما يحدث في الإعلام الفلسطيني مخيف، وان ما تبثه هذه الفضائيات، من ثقافة استئصاليه إقصائية، وأحيانا تخريبية ، هو فاسد، ويرسخ لثقافة العدوان، والتخوين، والتخويف، وحب الانتقام، والتمزيق المجتمعي، والعائلي، والشخصي لدى أولادنا، وبناتنا، ويضع كل بيت في مشكلة حقيقية.. ولذلك نرفض إفساد عقول أبنائنا وبناتنا .
وإذا ما تساءلنا
كيف يمكن إعادة إنتاج خطاب إعلامي غير فئوي وغير تحريضي ؟
فنقول علينا بأن ندفع في اتجاه مشاركة المواطنين آراءهم ودعوته لهم بضرورة ممارسة الرأي والرأي الآخر والنقد البناء.. إذا ما رغبنا في النهوض بالصحافة والارتقاء بالإعلام في هذه الظروف الراهنة للتعامل مع الحراك السياسي الذي تشهده المنطقة ، وتوظيف العلوم والمعارف والتكنولوجيا الإعلامية الحديثة لخدمة المجتمع، وإعداد الخريجين القادرين على ممارسة العمل الإعلامي فعلاً ، وعزل الدخلاء على الإعلام والصحافة ، مع تعزيز قيم وأخلاقيات المهنة وخدمة المجتمع، التزاماً بمهنية عالية المستوى ، والمصداقية في الممارسة الإعلامية والإيمان بحرية الرأي والتفكير النقدي البناء لمستقبل فلسطين الواعد والانفتاح على الثقافات الأخرى واحترامها ، والدعوة إلى الإصلاح وتجاوز العدائية والتحريض على الآخر من خلال استخدام لغة المنطق والصدق والشفافية الحقة غير المملاة من أحد إلا من ضمير وعقل كتابها ، والتأكيد على حيادية الصحفيين عن التجاذبات السياسية و الخلافات القائمة حتى يكونوا بالفعل أدوات فاعلة لضمان احترام حقوق الإنسان بدلاً من أن يكونوا أداة للتوتير و إذكاء الفتن و الخلافات ، مع التزام الصحفي الفلسطيني بالصدق والأمانة والموضوعية في نقل الحدث والمعلومة من جهة والتوقف الفوري عن التحريض والتشهير ، ومطالبة الصحفيين المحافظة على مهنيتهم في نقل الحدث وعدم ترك آرائهم الشخصية تعكس نفسها على الخبر، وكذلك إلى ضرورة العودة إلى الخطاب الإعلامي ذات البعد الوطني ، وتوجيه الجماهير وفئات الشعب المختلفة تجاه العدو الإسرائيلي ،وكشف مؤامراته وتمجيد شهدائنا وأسرانا وتاريخنا ، وبث ثقافة التسامح والمحبة والعفو ، ومنح حرية الكلمة وحرية التعبير هامشا أكبر وعدم تكميم الأفواه ، ومحاسبة الإعلاميين والصحفيين الذين يحاولون تأجيج المشاعر من جديد .
تعليقات
إرسال تعليق