حرية الرأي والتعبير في الصحافة والإعلام

حرية الرأي والتعبير في الصحافة والإعلام



بقلم الدكتور: زهير عابد



لاشك أن حرية الإعلام إنما هي امتداد للفكر والاعتقاد، وهي احدي صور حرية الرأي والتي

بدورها واحدة من الحريات العامة تلك الحريات التي كانت علي الدوام محل نزاع بين السلطات الخاصة والعامة. فالإعلام هو تزويد الناس بالأخبار الصحيحة والمعلومات السليمة والحقائق الثابتة، وحرية الإعلام والصحافة تعني حق الحصول على المعلومات من أي مصدر ونقلها وتبادلها والحق في نشر الأفكار والآراء وتبادلها دون قيود والحق في إصدار الصحف وعدم فرض رقابة مسبقة على ما تقدمه وسائل الإعلام إلا في أضيق الحدود وفيما يتصل بالأمن القومي، وحرية الإعلام والصحافة فقد أصبحت بديهية لا ينازع فيها أحد وضمانها نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ونصوص الدساتير المتتابعة والتي تأكدت بصفة خاصة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي صدر سنة 1948.

وتفسير معنى حرية التعبير يختلف اختلافا كبيرا عند التطبيق من دولة إلى أخرى، إذ تعتبر بعض النظم السياسية أن حرية الإعلام والصحافة هي حجر الزاوية في الديمقراطية وتحميها بالقانون، في حين قد تقيد هذه الحرية في بعض النظم الأخرى وفق ما تراه السلطة الحاكمة ملبية الاحتياجات الوطنية من وجهة نظرها، كما أنها قد تعتبر أنه لا حرية لأعداء الدولة. ـ مع تحديد نطاق ذلك ـ والأمور العسكرية وما يتصل بحرمة الآداب العامة.

وهنا يمكن الإشارة إلى أن حرية الإعلام تكون مثلثا أحد أضلاعه حقوق وضمانات الإعلاميين وواجباتهم وضلعه الثاني حقوق الجمهور، أما قاعدته فتتصل بالضمانات والمسؤوليات الخاصة

بوسيلة الإعلام نفسها. كما أن الحرية ليست مطلقة، وأن الوجه المقابل لها هو المسؤولية.

فحقوق المهنيين وضمانات حمايتهم يمكن لأي مواطن في ظل النظم السياسية الليبرالية أن يعمل في مهنة الصحافة والاتصال، ويتسع حق حرية التعبير ليشمل حق حرية النشر والعمل في وسائل الاتصال دون قيود أو عقبات أو اعتبارات سابقة تحكم ذلك.وكان يشترط أن يتمتع من يسمح له بالعمل في مهنة من مهن الاتصال في الدول الاشتراكية (سابقا) بثقة سياسية، وفي حالات كثيرة يشترط أن يكون من بين الكوادر الحزبية.ولا تسمح بعض الدول بالعمل في مهنة الاتصال إلا للحاصلين على عضوية الاتحادات أو النقابات المهنية الخاصة بالاتصال.وأيا كان النظام الذي يعمل الصحفي في إطاره فلابد أن ينظر للصحفي على أنه في الأصل صاحب رأي وضمير، وأن يتم التعاقد معه على هذه الصفة فلا يجوز أن يعامل على أنه مجرد عامل خاضع لصاحب العمل أو على أنه موظف يتدرج في السلم الإداري.وهذا ما يسمى (بشرط الضمير) وفي ضوئه يحق للصحفي أن يطالب بإعلامه بأي تغيرات تحدث في ملكية صحيفته أو داخلها.ويمكن أن تجمل حقوق الصحفي أو المهني في مجال الاتصال في أمرين: ضمانات اقتصادية وهي التي تتعلق بضمان مستوى معيشي لائق للمهنيين وتنظيم حقوقهم المالية والوظيفية بما يمنع عنهم الظلم أو الغبن كضمانات مستوى الأجور والعلاوات وتنظيم ساعات العمل والإجازات والإنذار السابق على إنهاء الخدمة.

ضمانات خاصة بحقوق المهني في المعاش ومكافآت نهاية الخدمة. وعلى الرغم من أن هاتين المسألتين تتمان عادة وفقا لاتفاقيات جماعية بين النقابات والإدارات الصحفية إلا أن بعض البلدان تعتبرها جزءا من التشريعات الوطنية أو الإجراءات التنظيمية.

ضمانات تتعلق بممارسة المهنة:وتتصل بالحقوق والمزايا والحصانات التي ينبغي توفيرها للمهني حتى يتمكن من أداء عمله بالشكل المناسب وحمايته من المخاطر أو الأضرار التي قد يتعرض لها أثناء ممارسة مهنته بما يتلاءم مع الطبيعة الخاصة لمهنة الإعلاميين، كأن يتمتع الصحافيون وغيرهم من العاملين في وسائل الاتصال الذين يمارسون عملهم في بلادهم أو خارجها بحماية تكفل لهم أفضل الظروف لممارسة مهنتهم، وفي هذا الإطار ينبغي حماية الصحفي (أو الإعلامي) من التعرض للإيذاء البدني كالسجن والاعتقال والتعذيب والاختطاف والقتل وغير ذلك، وتوفير الإمكانيات للإعلامي للوصول إلى المعلومات والحصول عليها والإطلاع على الوثائق والبيانات، والرجوع لمصدر الأخبار الرسمية وغير الرسمية على السواء، دون التحجج لمنعهم من ذلك بأمور غامضة مثل أسرار رسمية ـ معلومات سرية ـ الأمن ـ قائمة المحظورات كحظر نشر بعض جلسات المحاكم أو بعض القرارات أو أي موضوع يتصل بأمن الدولة،و حق الإعلاميين في التعبير عن آرائهم بحرية، وضمان حرية الحركة للإعلاميين، وحقه في الاحتفاظ بسر المهنة. وإن كان الإعلان الخاص بوسائل إعلام الجماهير الذي اعتمده المؤتمر العام لليونسكو في دورته سنة 1978 ينص في مادته الثانية على كفالة أفضل الظروف للصحفيين وغيرهم من العاملين في وسائل الإعلام الذين يمارسون أنشطتهم في بلادهم أو خارجها لممارسة مهنتهم.

التزامات المهنيين وواجباتهم:إلى جانب ما يتمتع به المهنيون من حقوق وضمانات عليهم أن يلتزموا في المقابل بمجموعة من المسؤوليات والواجبات أثناء ممارستهم لمهنتهم تتمثل في:التزامات مهنة كنقل الأنباء بدقة دون تحريف أو تشويه، وذكر الحقيقة من دون مراوغة أو تستر لا مبرر له، و الموضوعية والصدق، وعدم الخلط بين الرأي والخبر.

التزامات أخلاقية: أي المسؤوليات المتعلقة بمدى الالتزام بأخلاقيات المهنية ويدخل في هذا: التزام الصحفي بمستوى أخلاقي عال، وبحيث يتمتع بالنزاهة ويمتنع عن كل ما يسيء لمهنته كأن يكون دافعه للكتابة مصلحة شخصية على حساب الصالح العام، أو من أجل منفعة مادية. كأن يمتنع عن العمل مع أجهزة المخابرات تحت ستار واجباته المهنية،فهو تصرف غير أخلاقي، وكذلك عدم التعرض للحياة الخاصة للأفراد وجعلها بمنأى عن العلانية.

التزامات قانونية:وهي مجموعة الالتزامات التي يفرضها على المهنيين القانون ويعاقبهم

جنائيا في حالة مخالفتها،وهي تتمثل في الالتزام بأحكام القانون والامتناع عن التشهير أو الاتهام بالباطل والقذف والسب،وعدم التحريض على أي عمل غير قانوني .

التزامات ومسؤوليات اجتماعية:ونعني بها المسؤوليات التي يقبل الصحفي طواعية الالتزام بها لإحساسه بمسؤوليته الاجتماعية وتتمثل في: أن يتصرف الصحفي بشكل مسؤول اجتماعيا، ويحترم مسؤوليته إزاء الرأي العام وحقوقه ومصالحه، واحترام حقوق الإنسان ومبادئ التعاون بين الشعوب والاشتراك في الكفاح من أجل هذه الحقوق، أو الحض على الكراهية القومية أو العرقية أو الدينية والتي تشكل تحريضا على العنف،ومراعاة الآداب العامة كالتحريض على الإجرام والانحرافات الجنسية وتحبذ المخدرات وما إلى ذلك، وكذلك الالتزام بالقيم الثقافية المقبولة للمجتمع.

أما عن المحظورات التي يجب على الصحفي (أو الإعلامي) الالتزام بها تتمثل في: الامتناع عن نشر المعلومات المناهضة للمصلحة الوطنية، ويدخل في هذه الأمور الخاصة بالأمن القومي والأسرار الرسمية التي تحظرها الدول ـ مهما كان نظامها السياسي - إفشاءها، والامتناع عن نشر المعلومات التي قد يضر نشرها بالحياة الاجتماعية كالتحريض على الشغب، أو الهجوم على الدستور، أو إهانة رئيس الدولة، أو الإضرار بالعلاقات مع الدول الأجنبية، أونشر الأخبار الزائفة أو المغرضة، أو الدعاية لتحبيذ الحرب.

ثالثا:عناصر حرية الإعلام بالنسبة لوسائل الإعلام:_على سياسات الاتصال أن تضع في اعتبارها حجم الحرية المتاحة لوسائل الاتصال الجماهيري.والواقع أن مفاهيم مثل حرية الإعلام، التدفق الحر والمتوازن للمعلومات وحرية الانتفاع بوسائل الإعلام، جاءت ثمارا طبيعية للمبدأ الأساسي الخاص بحرية الرأي وحرية التعبير بالقول والتصوير والصحافة.إذ أصبح هذا المبدأ بديهية لا ينازع فيها أحد وضمانها هو نص الإعلانات العالمية لحقوق الإنسان، وإن كانت النصوص تختلف بين دستور رجعي ودستور ديمقراطي. فضلا عن ذلك فإن الحرية هي التي تصنع الدساتير، وليس العكس.كذلك، فإن تفسير معنى حرية التعبير يختلف اختلافا كبيرا عند التطبيق من دولة لأخرى ففي بعض النظم السياسية تعتبر حرية الصحافة والإعلام حجر الزاوية في الديمقراطية وتصان هذه الحرية بواسطة القضاء. في حين أن هذه الحرية قد تقيد في بعض النظم الأخرى وفق ما تراه السلطة الحاكمة يلبي الاحتياجات الوطنية (من وجهة نظرها) كما أنها قد تعتبر أنه لا حرية لأعداء الدولة، وتعتبر كثير من الدول النامية أن المعارضة الدائمة من جانب وسائل الاتصال الجماهيري ترف لا يحتمله وضعها كدول تعاني من عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي، ومن ثم يشكل هذا الموقف مأزقا حرجا لكل من الإعلاميين وحكوماتهم يتمثل في المدى الذي يمكن خلاله احتمال المعارضة السياسية من جانب وسائل الاتصال الجماهيري.فمفهوم حرية الإعلام يحرر الإنسان والمجتمع بدلا من إخضاعهما لسيطرة هؤلاء الذين يتحكمون في وسائل الاتصال الجماهيري على أن يساهم هذا المفهوم الجديد في عملية ديمقراطية الاتصال ويعي جيدا حقوق الأفراد والشعوب في المعرفة، والتعبير عن أنفسهم، كذلك لابد أن يتناسب هذا المفهوم الجديد مع المستحدثات التكنولوجية الحديثة في الاتصال ومن ثم فإنه سيختلف عن المفهوم الليبرالي التقليدي لحرية التعبير الذي ظهر في القرن الثامن عشر وكان يتعامل مع وسائل اتصال مختلفة.ويزيد التطور في تكنولوجيات الاتصال من قلق الحكومات إزاء التأثير الاجتماعي والثقافي لوسائل الاتصال الجماهيري.

عوائق أمام أجهزة الاتصال الجماهيري أثناء ممارستها للعمل:أي المشاكل المتغيرة التي قد تواجه عمل وسائل الاتصال الجماهيري بحرية أثناء الممارسة العملية, وقد لا توضع هذه المشاكل في الحسبان إلا أنها أحيانا تطفو على السطح فجأة, ومن هذه المشاكل: كإصدار تعليمات حكومية عن كيفية معالجة بعض الموضوعات المتصلة بأحداث أو قضايا معينة، أو وضع قائمة ببعض المطبوعات (أو غيرها من المواد الإعلامية) الممنوع تداولها، أو ممارسة بعض أشكال الإرهاب ضد الإعلاميين, كالتهديد والعنف وإدراج أسمائهم في القوائم السوداء. ويدخل في هذا أيضاً معاقبة الإعلاميين الذين لم يلتزموا بالتوجيهات أو التعليمات، أو مقاطعة أعمال بعض الإعلاميين، أو طرد أفراد من العاملين في أجهزة الاتصال الجماهيري وحرمانهم من إمكانيات النشر أو العمل الإعلامي، أو نقص الخبرة والتدريب المهني المناسب والكافي لممارسة العمل الإعلامي بالشكل المطلوب، أو الاستيلاء على مؤسسات الطباعة أو الإذاعة أو وقف أو حظر نشاطها، أو قيود خاصة بظروف العمل وتنظيمه داخل أجهزة الاتصال الجماهيري نفسها، أو سياسة وسائل الاتصال نفسها مثل تحديدها للأوقات أو المساحات التي تخصصها للأشكال المختلفة للمضمون (الأخبار ـ التسلية- التعليم- الثقافة- التنمية- الرياضة...) وسياستها التحريرية (هل تهتم بالعرض المشوق وتغطية الجريمة والرياضة والموضوعات الإنسانية الطريفة أم أنها تسعى لتقديم موضوع ذي مستوى رفيع فتهتم بالتغطية الإخبارية العميقة والمتوازنة والموضوعات الإعلامية والمقالات المفسرة, أم أن غرضها هو الدفاع عن مبدأ سياسي معين؟) كذلك طريقة معالجتها لمضمونها، والتعريض بالسلوكيات السيئة،وحماية سرية مصادر المعلومات، والفصل بين الخبر والتعليق.

وفي النهاية يمكن أن نلخص حرية الصحافة والإعلام بمجموعة من النقاط تتمثل في : عدم خضوع وسائل الإعلام لرقابة سابقة من جانب السلطة ولا تقبل هذه الرقابة في جميع الأحوال حتى في الظروف الاستثنائية كحالات الحرب والطوارئ إلا على مضض وفي أضيق الحدود،. وحق الأفراد والجماعات في إصدار الصحف دون اعتراض السلطة. وحرية وسائل الإعلام في استقاء الأنباء ونقلها، وحرية الرجوع إلى مصادر المعلومات. وحرية التعبير عن الآراء.

أما عن ضمانات حرية الإعلام فهي تتمثل في : التأكيد على مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية، فلا تستبد السلطة التنفيذية بالصحافة والإعلام فتقيدهما ولا تصدر السلطة التشريعية ما يتنافى مع روح الدستور في تأكيد هذه الحرية ويكون من حق القضاء الدفع بعدم دستورية القوانين المخالفة وتحد من غلواء السلطة التنفيذية. وجود نظام نيابي ديمقراطي يستند إلى رأي عام قوي. وأن يكون لكل مواطن الحق في إنشاء صحيفة وإنشاء مؤسسة إعلامية وهذه المؤسسة تخضع للقانون العام والنظام الشرعي حرية الإعلام تقتضي، وإن الدولة لا تتدخل مباشرة في شؤون الصحافة .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

دور الإعلام في دعم الحوار والسلم الأهلي