الفساد... لا بد من صرخ حق


الفساد... لا بد من صرخ حق

التسلط والانتهازية والمحسوبية من أخلاقيات الدول المتخلفة في كل زمان ،


فالحكام المتسلطون هم الألهة التي يجب إطاعتهم دون تردد ، هم الملهمون في السياسة والقانون وجميع المجالات الحياتية المختلفة ، هم كل شئ لا يحبون أن يشاركهم الرأي أحد حتى عندما يستمعون إلى مستشاريهم ينفذون في النهاية رأيهم ، هم الذين لم يخلق مثلهم في البلاد فيكثرون فيها الفساد ،ينطبق عليهم قوله تعالى " فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ " كذلك هم انتهازيون للفرص التي تواجه شعوبهم باستغلالها أفسد استغلال ،

هم الذين يشجعون على المحسوبية والواسطة ، لما يوظفون من منافقين يروجون لهم ، فهم يبحثون دائماً عن الفساد الذي يساعدهم على الاستمرار في الحكم ، فحاشيتهم ووزرائهم فاسدين مثلهم.

هؤلاء ، وبدون شك الجو الذي يسوده مناخ الديمقراطية وانتشار القانون والنظام لا يساعدهم على البقاء والاستمرار ولا يروق لهم .

لا يعيشون ولا يستمرون إلا في جو مرض الفساد بفنونه المختلفة، حيث تجد هذا المرض منتشر في كل دوائرهم ومؤسساتهم التي تسمى المؤسسات الحكومية ، فهي نموذج مصغر لتسلط الحكام الفسدة في صورة وزراء أو مديرين فاسدين على رأس قمة هرم مؤسساتهم ، فهم الذين يرشدونهم على أن لا يسمعوا أو يروا أو يتكلموا ، وهؤلاء حكام وزراء ومديرون يجتمعون على إلقاء كل كفاءة في سلة المهملات ويحاربونه بكل ما أوتوا من قوة ،

 ويدعون الإصلاح في نفس الوقت ، قال تعالى قال تعالى "وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (*) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ " السلطة الفاسدة هي التي توجد الكادر الفاسد ، والتي تخلق فيه نزعة العمالة والجسوسية والواسطة والمحسوبية ، فهي تحول المجتمع كله إلى فساد ،لكي تحمي نفسها فهي تفرق بين الأخ وأخيه ،الذي ينتظر أن يكتب فيه تقريراً أو وشاية صادقة أو كاذبة المهم أن يكتب وبخط نظيف ، لكي يجد له بقايا عظام عند سيدة ،

هكذا هي الديكتوريات الظالمة لشعوبها التي لا يهمها إلا المناصب والمنازل الفخمة والسيارات الفارهية والمنافقين من حولهم يسوقون لهم بعبارات الثناء والمديح على بقاءهم لهم ذخراً يطعمهم من فتات ما ينهب من قوت الشعب ومقدراته ، وتجد من هؤلاء المنافقين من يدافع عنهم بنفسه ولسانه ويفتي ويحلل الحرام ويحرم الحلال ، قال تعالى فيهم " وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ".

الفساد ينتشر ويكبر من حولنا وتتعمق جذوره ، وللأسف لا حراك ولمقاومة فعالة لهذا الفساد ، ويصر على ترديد كلمات أعطيه فرصة لتوبة ، مررها هذه المرة ، يا رجل لماذا نخذها جد هكذا ، يا أخي أنت تريد أن تصلح الكون ، أتركه لخالقه ، عبارات تنم عن الخذلان والانهزامية من مقاومة الفساد ، الأغرب هؤلاء لا يدافعون عن مظلوم أو ضعيف بل يدافعون عن الفساد بأشكاله المختلفة ، ويطبقون القانون والنظام عندما يكون المقصود ضعيفاً ، ويجدون مخارج وثغرات للقانون والنظام للفاسد لأنه يتمتع بالقوة والسلطان ، والذي سوف يمنحنهم العطاء المجزي من الشكر والثناء والمغريات التي يقوم عليها .

كلنا يتذكر مقولة عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأبن عمر بن العاص رضي الله عنهم أجمعين " متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرار". ونقول بأننا مسلمون ، والإسلام منا براء ، فالإسلام والديانات السماوية كلها تحرم الفساد والظلم والأستقواء بالموقف ، ولا يعلمون أن كل شئ زائل قال تعالى: " كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (*) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ "، ووصف بني إسرائيل بالمفسدين لأنهم كانوا يستقون لقويهم ويظلمون ضعيفهم قال تعالى " وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (*) وقال تعالى محذرا من إتباع المفسدين والإبتعاد عنهم وعدم مرآتهم ومنافقتهم : " وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (*) .

إذاً نحن أمام معضلة كعالم متخلف في مواجهة هؤلاء الذي للأسف تدعمهم الديمقراطيات الغربية التي هي من وضع فيهم العمالة على حساب شعوبهم وهي التي تضع لهم العمولات في بنوك سويسرا مقابل دفن نفيات الديمقراطية الغربية في بلادهم .



إذا كان هذا هو الواقع الأليم للعالم المتخلف الذي نحن جزء لا يتجزء منه للأسف ، ما عسانا أن نفعل ، هل علينا أن نصبر ونحتسب عند الله فقط ؟ أم علينا أن نسعى لتغير كل في مكانه ؟ وإذا فعلنا هل يتركونا لحالنا ؟ حقاً أنها مشكلة تحتاج إلى أن نراجع أنفسنا إذا رغبنا أن نكون طرف في المعادلة الأممية ، أوروبا وأمريكا تسيران بسرعة الضوء في التقدم والسيطرة على العالم ، وتاركة للعالمنا المشاكل التي تجلبها لنا بحجة الديمقراطية وحقوق الإنسان .

إذا الحل هو أن نضع مصلحة الوطن أمام عيوننا ، في كل تفكيرنا ، في نومنا ويقظتنا ، في كل شئ حتى لا تدوس علينا أقدام الديمقراطية الأمريكية المزعومة لنا . والتاريخ يقرأ لنا صفحاته عن مصير كل دكتاتور.

***

 
الدكتور / زهير عابد


الفساد... لا بد من صرخ حق


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

دور الإعلام في دعم الحوار والسلم الأهلي

حرية الرأي والتعبير في الصحافة والإعلام