الفساد ليس له مبررات ... إلا صرخة الحق


الفساد ليس له مبررات ... إلا صرخة الحق
بقلم :
الدكتور / زهير عابد


التسلط والانتهازية والمحسوبية من أخلاقيات الدول المتخلفة في كل زمان ، فالحكام المتسلطون هم الآلهة التي يجب إطاعتهم دون تردد ، هم الملهمون في السياسة والقانون وفي جميع المجالات الحياتية المختلفة ، هم كل شئ فلا يحبون أن يشاركهم الرأي أحداً حتى عندما يستمعون إلى مستشاريهم ينفذون في النهاية رأيهم . هم الذين لم يخلق مثلهم في البلاد فيكثرون فيها الفساد ،ينطبق عليهم قوله تعالى " فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ" .
مما شك فيه أنهم انتهازيون للفرص التي تواجه شعوبهم، باستغلالها أفسد استغلال . هم الذين يشجعون على المحسوبية والواسطة ، لما يوظفون من منافقين يروجون لهم . فهم يبحثون دائماً عن الفساد الذي يساعدهم على الاستمرار في الحكم ، فحاشيتهم ووزرائهم فاسدين مثلهم.



هؤلاء ، وبدون شك لا يروق لهم جو ومناخ الديمقراطية وانتشار القانون والنظام، ولا يساعدهم على البقاء والاستمرار. حياتهم لا تستمر إلا في محيط الفساد بفنونه المختلفة، رائحة فسادتهم تنتشر في كل مكان. في دوائرهم ومؤسساتهم التي تسمى المؤسسات الحكومية.
فهذه المؤسسات ليس إلا أوكار للفساد ونموذج مصغر لتسلط الحكم الفاسد في صورة وزراء أو مديرين فاسدين على رأس قمة هرم مؤسساتهم ، فهم قدوتهم والذين يرشدونهم على أن لا يسمعوا أو يروا أو يتكلموا ، وهؤلاء حكام، ووزراء، ومديرون يجتمعون على إلقاء كل كفاءة في سلة المهملات ويحاربونها بكل ما أوتوا من قوة ، وللأسف يعجبك قولهم وأجسامهم وتراهم أول من يدعو إلى الإصلاح ، قال تعالى فهم : "وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ


الفساد ينتشر ويكبر من حولنا وتتعمق جذوره ، وللأسف لا حراك ولا مقاومة فاعلة لهذا الفساد ، ونسمع الكثير من العبارات مثل أعطيه فرصة لتوبة ، مررها هذه المرة ، يا رجل لماذا نأخذها جد هكذا ، يا أخي أنت تريد أن تصلح الكون ، أتركه لخالقه ، عبارات تنم عن الخذلان والانهزامية من مقاومة الفساد ، الأغرب هؤلاء لا يدافعون عن مظلوم أو ضعيف بل يدافعون عن الفساد بأشكاله المختلفة ، ويطبقون القانون والنظام عندما يكون المقصود ضعيفاً ، ويجدون مخارج وثغرات للقانون والنظام الفاسد لأنه يتمتع بالقوة والسلطان ، والذي سوف يمنحنهم العطاء المجزي من الشكر والثناء والمغريات التي يقوم عليها .
كلنا يتذكر مقولة عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأبن عمر بن العاص رضي الله عنهم أجمعين " متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرار". ونقول بأننا مسلمون ،ولكن الإسلام منا براء ، فالإسلام والديانات السماوية كلها تحرم الفساد والظلم والأستقواء بالموقف ، ولا يعلمون أن كل شيء زائل، قال تعالى: " كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ


المشاكل التي تجلبها لنا بحجة الديمقراطية وحقوق الإنسان .


إذا الحل هو أن نضع مصلحة الوطن أمام عيوننا ، في كل تفكيرنا ، في نومنا ويقظتنا، في كل شئ حتى لا تدوس علينا أقدام الديمقراطية الأمريكية المزعومة . والتاريخ يكتب لنا عبر صفحاته عن مصير كل دكتاتور وكل فاسد عند نهايته المحتومة.
أستاذ الإعلام – جامعة الأقصى

د.زهير عابد
 
(*) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ "، ووصف بني إسرائيل بالمفسدين لأنهم كانوا يستقوون لقويهم ويظلمون ضعيفهم قال تعالى " وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (*) وحذر الله تعالى من إتباع المفسدين والابتعاد عنهم وعدم مراآتهم ومنافقتهم، فقال تعالى : " وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (*) .
إذاً نحن أمام معضلة كبيرة في مواجهة هؤلاء الذين للأسف تدعمهم الديمقراطيات الغربية التي هي من وضع فيهم العمالة على حساب شعوبهم، وهي التي تضع لهم العمولات في بنوك سويسرا مقابل دفن نفايات الديمقراطية الغربية في بلادهم .
إذا كان هذا هو الواقع الأليم للعالم المتخلف الذي نحن للأسف جزء لا يتجزء منه ، فما عسانا أن نفعل ، هل علينا أن نصبر ونحتسب عند الله فقط ؟ أم علينا أن نسعى للتغير كل في مكانه ؟ وإذا فعلنا هل يتركونا لحالنا ؟ حقاً أنها مشكلة تحتاج إلى أن نراجع أنفسنا إذا رغبنا أن نكون طرف في المعادلة الأممية ، فأن أوروبا وأمريكا تسيران بسرعة الضوء في التقدم والسيطرة على العالم ، تاركة لعالمنا
(*) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ ".
الحكم الفاسد هو الذي يوجد الكادر الفاسد ، والتي تخلق فيه نزعة العمالة والجاسوسية والواسطة والمحسوبية ، فهي تحول المجتمع كله إلى فساد، لكي تحمي نفسها، فهي تفرق بين الأخ وأخيه ،الذي ينتظر أن يكتب فيه تقريراً أو وشاية صادقة أو كاذبة، فالمهم أن يكتب وبخط نظيف ، لكي يجد له بقايا عظام عند سيده ووالي أمره .
هكذا هي الديكتوريات الظالمة لشعوبها التي لا يهمها إلا المناصب والمنازل الفخمة والسيارات الفارهة والمنافقين من حولهم يسوقون لهم بعبارات الثناء والمديح على بقاءهم لهم ذخراً، يأكلون ويشربون من فتات ما ينهب من قوت الشعب ومقدراته ، وتجد من هؤلاء المنافقين من يدافع عنهم بنفسه ولسانه ويفتي ويحلل الحرام ويحرم الحلال ، قال تعالى فيهم " وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ".

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

دور الإعلام في دعم الحوار والسلم الأهلي

حرية الرأي والتعبير في الصحافة والإعلام