من ينتصر في معركة السياسة



من ينتصر في معركة السياسة
بقلم الكاتب د. زهير عابد
المتتبع للحرب على غزة يقر بأن المقاومة انتصرت في المعركة العسكرية بامتياز، وهذا بشهادة الكثير من المحللين العسكريين والسياسيين؛ فقد استطاعت المقاومة كسر أنف العدو بالمواجهة وجها لوجه في نقطة الصفر من خلال الخروج المفاجئ للعدو من الأنفاق، وكذلك في تنفيذ العديد من العمليات النوعية خلف قوات العدو، أو في الإنزال عن طريق البحر كما حصل في موقع زكيم.
أي نستطيع القول أن المقاومة حققت إنجازات كبيرة على المستوى العسكري في قتل جنود العدو، حيث بلغ عدد قتلاه الثمان والستون قتيلا، في حين بلغت الإصابات ما يتجاوز الألف وستمائة إصابة، وهذه حسب اعترافات العدو نفسه وما اخفي أعظم، فهو يعلن عن الجنود الرسمين الذين لهم عائلات فقط، أما الجنود المرتزقة وسكان الكابوتسات والشباب المهاجر حديثا فهذا ليس له عائلة فلا يعلن عنه لأنه لا قيمة له في نظرهم.
فالمقاومة استطاعت أن تضع الرعب في قلوب جنود العدو، فالعديد من جنوده رفض الخدمة أو ما يعبر عنه عسكريا رفض الأوامر العسكرية، ومنهم من أصاب نفسه حتى يخرج من أرض المعركة من شدة هول ما وجدوه من أبطال المقاومة.
وصحيح أن غزة فقدت ما يصل الألفا شهيدا، وعشرة آلاف جريحا، وتدمير ما يصل الألف مسكن تدميرا كاملا، غير آلاف المساكن التي دمرت جزئيا، وإبادة ما يصل من ستين عائلة إبادة كاملة، وتدمير المنطقة الشرقية من الشجاعية، وخزاعة، وبيت حانون، وجباليا، وشرق رفح، فغزة قدمت التضحيات الجسام الممزوجة بالصبر والأمل في تحقيق نصرا عسكريا يقابله نصر سياسيا على طاولة المفاوضات.
إلا أن على طاولة المفاوضات تدور معركة حامية الوطيس، بإدارة مصرية وضعت منذ بداية المعركة مبادرة لم تأتي بجديد لغزة، إلا المزيد من الحصار، وبالرغم من تصارع العديد من دول العالم ومنها أمريكا وقطر وتركيا والنرويج بوضع مبادرات إلا أن اللوبي الصهيوني العربي استطاع أن يقنع الجميع بأن المبادرة المصرية هي الحل، وحاولت مص الإماطة والتطويل في اقناع المقاومة أو الكيان الصهيوني التي تمثله تمثيلا صادقا، أن يجلسا على طاولة المفاوضات مبكرا، وعلى أمل أن تكسر شوكة المقاومة وتعلن الاستسلام، إلا إن الجميع فوجئ بمدى صبر المقاومة وصمودها.
لذا بدأ الضغط من خلال السلطة على تكوين وفد مشترك على اعتبار أن مصر تعتبر حركة حماس حركة إرهابية ولا يمكن التفاوض معها مباشرة، وفعلا نتيجة العلاقة الجيدة ببن السلطة ومصر، تم تكوين وفدا موحدا لتفاوض مع الكيان الصهيوني عبر الوسيط المصري، حيث طرح العديد من القضايا على رأسها فك الحصار، وإعادة أعمار غزة، وتقديم المساعدات العاجلة، وإطلاق سراح بعض من الأسرى، والميناء والمطار.
ومن خلال متابعتنا للأحداث والتصريحات والتسريبات الإعلامية من أعضاء الوفد ومتابعة الإعلام الصهيوني والإعلام الفلسطيني، نجد أن مصر تحاول أن تخرج اتفاقية مرضية للطرفين على أن يتم الاتفاق على بعض المطالب المهمة وذات الأولوية الضرورية كفك الحصار بفتح المعابر وإدخال المساعدات الإنسانية وإعادة أعمار غزة، وتأجيل الأسرى والمطار والميناء لتفاوض فيما بعد.
وبهذا نستطيع أن نستنتج أن مصر تسعى وبكل قواها لتحقيق توازن في إخراج اتفاق يخرج الطرفين لا غالب ولا مغلوب، وبهذا تكون حققت ما تريد! أن لا نصر للمقاومة، وأن تضيع على الشعب في غزة طعم الانتصار، وبهذا تفوت على المقاومة شرطها في فتح الميناء أو المطار، وبهذا نكون تحت رعاية الأخوة في مصر، وتحت مزاجهم بفتح المعبر حسب ظروف الأمن القومي المصري.
وبهذا يمكن القول أن لا منتصر في هذه المعركة إذا ما تمت الاتفاقية بهذا الشكل، لأننا لم نستطيع تحقيق مطالبنا في أن نكون أحرارا على أرضنا، ونبقى تحت رحمة مصر والكيان في الخروج والدخول، والمنتصر في هذه المعركة هو النظام الصهيوني العربي الذي لا يريد للشعب الفلسطيني خيرا ولا نصرا، وهذا ليس تشاؤم ولكن قراءة للواقع، وكل ما يمكن القول أن حسبي الله ونعم الوكيل على كل ظالم وجبان وخائن في هذه الأمة، والنصر للأحرار في الوطن والعالم.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

دور الإعلام في دعم الحوار والسلم الأهلي

حرية الرأي والتعبير في الصحافة والإعلام